يرتبط نجاح أي عمل درامي بجملة شروط متداخلة تصنع نسيجاً يعزز ويطور الفكرة الأساسية لهذا العمل، خصوصاً عند تناوله شخصيات وقامات ثقافية مؤثرة وحاضرة في الذاكرة الشعبية.

شروط النجاح هذه، تشتبك وتتضافر في إطار جهد جماعي يستند على البحث الغزير والوافي حول الشخصية محل الرصد والتوثيق هنا، وبأبعادها السوسيولوجية والنفسية كافة، وتطورها الكرونولوجي، الناقل للانعطافات الكبيرة في سيرتها الذاتية، ونتائج هذه الانعطافات في تكوينها الإبداعي وفي تفرّدها واستقلالها الفني والمعرفي، إضافة إلى أهمية الجانب التقني فيما يتعلق بالإخراج والمونتاج وحركة الكاميرا وبيئة التصوير وعمليات ما قبل وما بعد الإنتاج، وهي كلها شروط وعوامل ضامنة -في حال تحققها- لنجاح المنتج الدرامي الموثق لسيرة الشخصيات الملهمة، سواء كان هذا المنتج مسلسلاً أو فيلماً أو عرضاً مسرحياً، ووصوله بالتالي لأكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، والأهم من ذلك امتلاكه بصمة خاصة، وتحوّله لعلامة حاضرة ومستعادة أيضاً في الذاكرة التراكمية للأجيال المتعاقبة.

مكابدات الماجدي
في شهر رمضان الماضي، حيث تنتعش الدراما التلفزيونية، ويزداد الإقبال على المشاهدة والتفاعل مع الشاشة الصغيرة، عرضت قناة الإمارات -إحدى قنوات أبوظبي للإعلام- مسلسلاً بعنوان: «الماجدي بن ظاهر» تناول سيرة شاعر الإمارات الكبير المولود عام 1781 والمتوفى عام 1871 في إطار يجمع بين التخييل الذهني والتقصّي الواقعي، واستعادة حياة الشاعر من خلال قصائده المكثفة وذات الدلالات العميقة والزاخرة بالحكمة والاستبصار والبلاغة النابعة من مكابدة شخصية، ومن ترحال جسدي مضن، وسفر روحي فائض بالرؤى والتأملات.
في التحقيق التالي، يتحدث عدد من الفنانين والمخرجين عن هذه النوعية من الأعمال الدرامية المتصلة بأسماء لامعة في أرشيف الذاكرة الثقافية بالإمارات، وعن قيمة وتأثير هذه الأعمال في الأجيال الجديدة من المشاهدين وما تحتاجه أعمال السير الذاتية، من بحث وإعداد وجهد تقني وإبداعي لإعطائها حقها الجمالي والتوثيقي، وتحييدها أيضاً عن بعدها الأسطوري والمثالي، وخصوصاً أن الذاكرة المحلية تختزن أسماء كثيرة تحتاج للإضاءة عليها درامياً، مثل الشعراء راشد الخضر، ومبارك بن حمد العقيلي، ويعقوب الحاتمي، وسالم الجمري، وراشد بن طنّاف، وربيّع بن ياقوت، وغيرهم من كتاب ومثقفين جاؤوا بعد هذا الجيل المؤسس، وقدموا صوتاً مختلفاً، ونتاجاً متجاوزاً، وإسهامات منحازة لزمنها الجديد ولتصوراتها الجامحة.

نداءات بعيدة
وفي هذا السياق، يقول الفنان والمخرج المسرحي مرعي الحليان (المشارك بدور رئيسي في مسلسل الماجدي بن ظاهر) إنه انضمّ لطاقم العمل في المسلسل بدافع كبير من الشغف تجاه الشاعر الأهم والأكثر حظوة ومكانة في مسيرة الشعر النبطي بالإمارات، مضيفاً أن قصائد بن ظاهر تملك هذا الامتداد البهيّ والساحر والعجائبي، الذي جعل الحليان يؤدي دوره في المسلسل، وكأنه واقع تحت تأثير نداءات وتجليات قادمة من زمن بعيد، ومتماسة أيضاً مع البيئة المحتضنة لكواليس ومشاهد المسلسل، خلف الكاميرا وأمامها.
وأشار الحليان إلى قيامه قبل عامين من الآن بتوظيف قصائد بن ظاهر في المسرحية التي أخرجها بعنوان: «ونين غبيشة»، وعبّر الحليان عن ابتهاجه لتصدي مؤسسة إعلامية محلية لهذه الشخصية الملهمة، وتقديمها للجيل الجديد في قالب بصري مشوّق يستعيد ألق ماض مجهول ومغيّب، استطاع بن ظاهر أن يبعثه ويخلده في قصائده، ويوثّق من خلاله لمرحلة مهمة تاريخياً وإنسانياً وثقافياً.
ونوّه الحليان إلى أن العديد من المشاهدين المتابعين للمسلسل أثارهم اسم الماجدي بن ظاهر، وجعلهم يبحثون عن معلومات تتعلق به، وبالزمن الذي عاصره والأحداث التي صنعت منه شاعراً رائداً ومخترقاً لكل هذه الفترة الغامضة والمجهولة في تاريخنا المحلي.
وحول الصعوبات التي واجهت المسلسل، والتي يمكن أن تواجه أعمالاً أخرى تتطلع مستقبلاً لاستعادة وهج شخصيات أدبية مشهورة في سجلاتنا الثقافية، أوضح الحليان أن الصعوبة الكبرى التي واجهت المسلسل أثناء الإعداد، تمثّلت في قلة المراجع، وندرة الوثائق المدونة حول الفترة التي عاشها بن ظاهر، مضيفاً أن أغلب المراحل المتعلقة بحياته وأغلب قصائده تم نقلها شفاهياً بين الأجيال المتتالية، حيث اندثرت بعض النقولات المتوارثة، وظهرت فراغات كبيرة في سيرته، ما اضطر بعض الرواة إلى ملئها بقصص وحكايات هي أقرب للخرافة منها إلى الحقيقة، وأحيطت بعض الحكايات المتصلة بحياة بن ظاهر بهالة أسطورية تتجاوز المعقول، ومن هنا كما أشار الحليان، فإن حيرة النص والإخراج ظلت ماثلة في هذه المسافة الغامضة بين الحقيقة والوهم، وبين الواقعي والمتخيّل فيما يتعلق بشخصية بن ظاهر، وبقصائده أيضاً، حيث إن النقل الشفهي مارس لعبته في الإضافة والبتر، وفي الزيادة والنقصان، فتاهت بوصلة الرواة بين الأصيل والمنتحل وبين الأسلوب الصافي والآخر الدخيل على هذه القصائد.

شاعر موسوعة
ونوّه الحليان إلى أن القراءة العامة والشمولية لنتاج بن ظاهر الشعري، رغم ما يحيط بها أحياناً من لبس وتوجّس، تشير وبقوة إلى أننا نقف أمام شخصية غير عادية وتتمتع بمزايا متفرّدة قوامها الحكمة والفلسفة والأسئلة الوجودية العالية جداً، والتأمل في عناصر الطبيعة، وتفكيك علاقاتها المتشابكة، مثل علاقة الرمل بالشجر، والماء باليابسة، وعلاقة الإنسان بالموت والميلاد، وغيرها من العلاقات التي تتطلب بصيرة نافذة للولوج إلى أسرارها وخفاياها، إضافة لاختراقه النسق السائد في زمنه واستشراف المستقبل، وتحليل الواقع والسلوكيات الفردية والجماعية ومحاكمة الماضي، وغيرها من المزايا الباهرة لرجل عاصر مناخاً اجتماعياً قاسياً وظروفاً معيشية منهكة.
ووصف الحليان بن ظاهر بـ«الشاعر الموسوعة»، لأنه يتناول في قصائده أموراً شتى، وقد تكون متباعدة ولا يجمعها رابط، فهو يتناول علم الفلك في بعض قصائده، وفي قصائد أخرى نجده أقرب لرجل الدين، بينما نراه في عدد من أعماله الشعرية يتطرق للأجواء المناخية والطبيعة الجيولوجية لعدد من المواقع الجغرافية القديمة والمهمة في الإمارات، ما يدلل على وجود نزعة خيمائية في ذهنية وممارسات وطقوس بن ظاهر، وهي نزعة -كما أشار الحليان- بحاجة لبحث جدّي ومعمّق من قبل المؤرخين والأكاديميين والمهتمين بسيرة حياة الماجدي بن ظاهر.
ودعا الحليان السينمائيين الإماراتيين، وكتّاب السيناريو إلى تناول شخصيات مهمة في الذاكرة المحلية، مثل ابن ظاهر وراشد الخضر، وغيرهم من الشعراء الشعبيين والمثقفين الإماراتيين، لأن زمن الفيلم السينمائي يحتمل التكثيف والإيجاز والتركيز على أهم المراحل والمحطات والتحولات التي صنعت موهبة وإبداع هذه الشخصيات، على عكس المسلسل التلفزيوني الذي يتشعب في تناوله لتفاصيل الشخصية الرئيسة والشخصيات المحيطة بها، في زمن يمتد لثلاثين حلقة ما يستدعي أحياناً الدخول في افتراضات سردية وهوامش ثانوية لتغطية هذه الفترة الطويلة من ساعات البث التلفزيوني.

مشكلة جودة
بدوره، قال المخرج السينمائي عبدالله الجنيبي إن مسلسلاً مثل «الماجدي بن ظاهر» كان بحاجة لبحث عميق ومتشعب ولجهد أكبر وأكثر شمولية قبل الدخول في مرحلة الكتابة، سواء فيما يتعلق بالسيرة الذاتية لبن ظاهر أو ما يتعلق بالبيئة التي عاصرها والأخرى التي ارتحل إليها في أسفاره الكثيرة داخل الجغرافيا المتنوعة بالإمارات قديماً.
وأضاف الجنيبي أن الأعمال التي تتناول شخصيات وقامات شعرية وأدبية وثقافية تتطلّب التناغم والانسجام بين كافة المشاركين في العمل، وفي مقدمتهم المخرج والمؤلف والممثلون، لأنهم يشكلون العصب الأساسي لنجاح أي عمل درامي من هذا النوع.
واستطرد الجنيبي قائلاً: «مازالت أعمالنا الدرامية المحلية تعاني مشكلة الجودة في الشكل والمحتوى، كما أن هناك قصوراً في فهم مصطلح الإخراج، حيث لم يعد المخرج هو المعني فقط بتوجيه حركة الكاميرا أو حركة الممثلين وما عليهم أن ينقلوه من حوارات، أو ما يعبرون عنه أدائياً، فهذه العمليات من اختصاص فنيين يقومون بتنفيذ مهام معينة يضعها المخرج ضمن الخريطة العامة للمسلسل أو الفيلم، المخرج اليوم أشبه بالمايسترو وعلى فريق العمل من منفذين وتقنيين ترجمة تعليماته بدقة، لذلك فهو لا علاقة له بالتفاصيل، بل بالرؤية العامة للعمل».
وأضاف الجنيبي أن مسلسل «الماجدي بن ظاهر» ينطوي على فكرة نبيلة وعلى هدف وطني، وهو استعادة الصورة الإنسانية والجمالية الناصعة لقامة إبداعية إماراتية كبيرة، ولكن المسلسل -كما أشار- عانى مشاكل تعاني منها معظم الأعمال الدرامية المخصصة للعرض في شهر رمضان، والمتمثلة هنا في الاستعجال وعدم التهيئة الوافية والمستفيضة لعنصري البحث والإعداد، وهما عنصران استباقيان مهمان جداً لتحقيق النجاح والاستمرارية لأي عمل درامي يريد المنافسة وحيازة مركز الصدارة وسط هذا الكم الهائل من الأعمال التلفزيونية الرمضانية.
وأشار الجنيبي إلى أن الخزين الثقافي في الإمارات يضم العديد من الأسماء الإبداعية اللامعة والشخصيات المؤثرة، وأن التطرق لسيرة وحياة شخصية محلية ملهمة في مسلسل درامي هو هدف تراثي قومي، وليس مجرد وجبة تلفزيونية رمضانية سريعة، وبالتالي -كما قال- فإن الأمر يتطلب وجود العنصر المحلي أيضاً في الطاقم الفني للمسلسل، خصوصاً ما يتعلق بالكتابة والإخراج، حيث يبقى العنصر المحلي هو الأكثر قدرة على التعامل مع اللهجة ومع التاريخ ومع المكان الذي احتضن هذه الشخصية وشكّلها وصنع اسمها وشهرتها، مؤكداً أن جزالة وعمق المفردات في قصائد بن ظاهر تحتاج لمخرج واعٍ لهذه المفردات ومتمكن من ترجمة أبعادها الحسيّة والوجدانية، وتحويلها إلى صورة فنية مبتكرة ولصيقة بروح الأرض ورهافة المعنى المرتبط بقصد الشاعر وتفسيره لما يحيط به من أحداث ومواقف وتحديات، ومن مباهج وأفراح ونجاحات أيضاً.

ضرورات إخراجية
ونوّه الجنيبي إلى أن المخرج الواعي لقصائد الشاعر سوف يختار الزاوية المناسبة للتصوير والشكل المناسب أيضاً، لإيصال مضامين القصيدة، وبالتالي فإن الشخص الغريب عن هذه اللهجة وعن هذه المضامين لا يمكن له أن ينقل بأمانة وبعفوية ما كان يضمره الشاعر في دواخله، مضيفاً أن هذا الخلط واللبس في فهم قصائد بن ظاهر كان واضحاً في ثنايا العمل، وأدى إلى خلل توصيفي في الكثير من المشاهد المرتبطة بتطور شخصية بن ظاهر على مدى حلقات المسلسل.
واستغرب الجنيبي من وجود هذا الاستسهال عند التعامل مع المشاهد المحلي، وكأن المشاهدين في الإمارات غائبون تماماً عن التطور الكبير في أشكال التعبير الفني وفي جديته وصرامته أيضاً، بغض النظر عن الموضوع المطروح في العمل الدرامي، سواء كان كوميدياً أو اجتماعياً أو تاريخياً، وبالتالي -كما أشار- فإن المشاهد الإماراتي هو مشاهد مثقف أيضاً، ومطلّع على نتاجات عالمية، ويمتلك وجهة نظر ويتمتع برؤية نقدية، ولا يمكن استغفاله وإجباره على متابعة أعمال درامية يجد فيها الكثير من النواقص والسلبيات على مستوى الشكل والمضمون والقيمة الفنية.
ودعا الجنيبي إلى ضرورة خلق قاعدة تضم كتاباً إماراتيين ملمّين بتقنيات الكتابة للسينما والتلفزيون، حيث إن الورق هو المادة الخام والأهم في صناعة الدراما، وكل ما يأتي بعد الورق هو مجرّد أدوات، كما دعا إلى ضرورة الاهتمام بالنواحي الأساسية لظهور أي عمل درامي ناجح وقادر على الخلود في ذاكرة المشاهدين، والمتمثلة هنا في قوة الفكرة وقيمة الشخصية الثقافية والتاريخية المختارة كبطل للعمل، بجانب التمويل السخي لهذه النوعية من الأعمال خصوصاً إذا تضمنت مشاهد ملحمية ومجاميع كبيرة ومعدات تقنية متطورة وأماكن تصوير متنوعة، والأهم من ذلك -كما أشار- إيمان فريق العمل وفي مقدمتهم المخرج بروح الشخصية الرئيسية وتأثيرها وعمقها وحضورها في المخيلة الجمعية وتفرد الطرح واستقلاليته، مقارنة بما تم تقديمه سابقاً، وضرب الجنيبي مثالاً بفيلم «عمر المختار -أسد الصحراء» للمخرج الكبير الراحل مصطفى العقّاد، وقال إن إيمان القائمين على الفيلم بقيمة شخصية عملاقة، مثل عمر المختار هي التي ضمنت في النهاية خلود الفيلم وسطوعه في ذاكرة السينما العربية والعالمية سابقاً والآن ولسنوات طويلة قادمة، رغم كل العوائق والصعوبات التقنية والإنتاجية التي رافقت تصوير الفيلم في تلك الفترة.

الأمانة التاريخية
ويشير الفنان والمخرج المسرحي إبراهيم سالم، إلى أن تناول الرموز الأدبية المحلية المبدعة في مجالات الشعر أو القصة أو الرواية، وغيرها من المجالات الثقافية، من خلال الدراما التلفزيونية أو السينما أو المسرح، هو تناول مطلوب في المرحلة الحالية، خصوصاً مع وجود هذا الفراغ المعرفي الشاسع بين الجيل الجديد وجيل الثمانينيات، وما قبلها فيما يتعلق بإسهامات هؤلاء المبدعين الكبار وبعطاءات غيرهم أيضاً من الشخصيات السياسية والاجتماعية المؤثرة.
وأضاف سالم أن الأعمال الفنية والدرامية في هذا السياق، عليها أن تنتبه للأمانة التاريخية عند التطرق لهذه الرموز، حتى تبتعد عن المبالغة والهالة الطهرانية، وتبتعد كذلك عن الروايات المشكوك بها والتي تنتقص من قيمة هذه الرموز، وقال إن المسألة المعيارية مهمة هنا، وكذلك التوازن والمصداقية، حتى لا يكون مزاج الكاتب أو المنتج أو المخرج هو الطاغي على أحداث العمل الدرامي، أو يكون هو الصانع لسيرة موازية وطوباوية لا تتقاطع مع السيرة الحقيقية للشخصية المتناولة في العمل.
وأشار سالم إلى أن مسلسل «الماجدي بن ظاهر» عانى إشكالات تتعلق بسيرة هذا الشاعر الكبير، حيث مال المسلسل باتجاه الحكاية البديلة وغير الواقعية في حياة بن ظاهر، وقال إنها أقرب للخرافة منها إلى الحقيقة، وكان من الأجدى الرجوع لقصائد الشاعر نفسه لخلق النسق السردي في المسلسل بدلاً من اللجوء لروايات غير موثقة لملء فراغ الأحداث وتتابعها في زمن طويل يمتد لثلاثين حلقة.
واستعاد سالم ما قدمه المخرج الكويتي سمير القلاف في مسلسل تناول سيرة الشاعر الكويتي الرائد والإشكالي أيضا فهد العسكر، فرغم كل ما أحاط حياة هذا الشاعر من أقاويل وتهم أدت في النهاية إلى التبرؤ منه وحرق قصائده، إلا أن المسلسل ظل محافظاً على قيمته الفنية ورصده للتحولات الذاتية العنيفة وصراع الشاعر الوجودي المحتدم مع إعاقته البصرية وأسئلته الدينية والكونية الكبرى.

خط درامي
ورغم إشادته بطاقم الممثلين في مسلسل «الماجدي بن ظاهر» إلا أن إبراهيم سالم يرى أن العمل افتقد الحساسية الدرامية والخط التصاعدي للأحداث والذي يجذب المشاهد لمتابعة الحلقات، وبالتالي -كما أوضح- فإن نسبة المشاهدة تراجعت كثيراً بعد الحلقات التمهيدية الأولى للمسلسل، بسبب غياب هذا الخط الجاذب والمشوق والقارئ لرغبة المشاهد وفضوله في معرفة وملاحقة الأحداث التالية.
وعن الشخصيات الأخرى التي يتمنى تناولها درامياً في المستقبل، قال سالم إنه ينتظر بشغف ظهور فكرة أو بحث يتحول لاحقاً إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني يتناول شخصية الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني الذي رحل مبكراً وترك إرثاً متنوعاً وهائلًا من الأعمال الشعرية والمسرحية والنثرية التي أهلته للحصول على جوائز عديدة، وسببت له معاناة وسوء فهم كبير في الداخل، كما أن حياته حفلت بمواقف مؤثرة، وتحولات جارفة، وإبداعات متفردة، وأفكار متمردة أيضاً على ما هو سائد وجامد وضحل في ثقافتنا المحلية.
كما تمنى ظهور عمل درامي يحلل ويغوص عميقاً في شخصية الشاعر الإماراتي الكبير والملهم راشد الخضر بما احتوته سيرته الغنية من أسفار وتقلبات وجموح لا يتوقف تجاه البحث عن الذات والرغبة الجارفة في ترك أثر يعوضه عن كل خساراته السابقة وخيباته المرّة.
وأشار سالم في نهاية حديثه إلى أن تناول الشخصيات المعروفة يصطدم في أغلب الأحيان بالتابوهات الاجتماعية، وهو عائق يتمنى سالم زواله مع زيادة الوعي بقيمة الحرية وفتح المجال للشكل الفني كي يفرض وجوده ويؤسس لأنماط تفكير جديدة داخل المجتمع.

الخيال والتوثيق
بدوره قال الفنان عبدالله صالح إن تناول الدراما التلفزيونية للشخصيات الثقافية المحلية هو أمر مطلوب وملحّ في الفترة الحالية، نظراً لأهمية الجانب التاريخي والتوثيقي للمرحلة التي عاصرتها تلك الشخصيات، مضيفاً أن وجود مسلسل، مثل «الماجدي بن ظاهر» ورغم وجود بعض الملاحظات على مادته التاريخية وبنيته الفنية العامة، إلا أنه أبان عن جهد جماعي مقدّر خصوصاً في مجال التمثيل واختيار مواقع التصوير الخلّابة والمعبرة عن الزمن الذي عاشه بن ظاهر قبل مائتين وخمسين عاماً تقريباً، وقال إن المسلسل فتح مجالا للبحث عن قصص مشاهير آخرين كان لهم حضورهم ودورهم في التأسيس للطفرة الثقافية والاجتماعية في الإمارات، وبالتالي فإن توثيق سيرتهم في أعمال تلفزيونية سيكون بمثابة أرشيف بصري وسمعي يمكن الرجوع إليه، كما يمكن لأجيال لاحقة من المشاهدين التفاعل مع هذا العمل ومناقشته.
وأكد صالح ضرورة توظيف المشاهد المتخيلة في مثل هذه الأعمال لصالح الوقائع الموثقة، وألا يتحول الارتجال والتنويع والإضافة إلى عبء على القصة، بدلاً من أن تكون معززة للخط السردي الأساسي ولتفرعاته المشهدية، مشيراً إلى أن بعض الأحداث الأسطورية في حياة بن ظاهر كانت بحاجة لإعادة نظر والتثبت منها قبل إقرارها في السيناريو المكتوب، لأن مثل هذه المبالغات قد تأتي ضد الهدف العام من تصوير هذه الشخصيات ذات الحضور الشعبي المهيمن على الذاكرة المحلية.
وقال صالح، إن هناك مخرجين إماراتيين وخليجيين مبدعين في مجال العمل التلفزيوني والسينمائي والمسرحي وباستطاعتهم التصدي لهذا الجانب التراثي ولهذه النوعية من الأعمال ذات الخصوصية والنكهة الشعبية، وبكل كفاءة ومقدرة وقراءة للأبعاد الفنية والتفاصيل التاريخية والبيئية المرتبطة بالزمن الذي عاشه هؤلاء الرواد وبالمناخ العام المحيط بهم وبالشخوص القريبين منهم والأحداث التي ساهمت في بروزهم وتميزهم.